الكتاب: ترجمة الشيخ مقبل الوادعي، ترجمة الشيخ لنفسه
تأليف: مقبل بن هادي الوادعي
المصدر: موقع علماء اليمن:
http://www.olamayemen.com
ترجمة الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
من مقبل بن هادي الوادعي إلي أخيه في الله الشيخ العلامة، والمؤرخ الفهامة، الحبيب الكريم المفضال، محمد بن علي الكوع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد التحية:
فمرحباً بك وبرسالتك العزيزة، ولقد طلب مني والله هذا المطلب غير واحد، وأماطلهم، وأعتذر لكثرة شواغلي، وأيضاً لا أحب نشر ذلك، ولكن الشيخ محمد ذلك الذي محادثته أحلي من العسل، له مودة في قلبي، لا أستطيع أن أعصي له أمرا. ً.
فأنا من وادعة التي هي شرق صعدة من وادي دماج، وقد وصفتم – حفظكم الله – وادي دماج في بعض تعليقاتكم أظنه علي ” صفة جزيرة العرب ” وبساتينه وأشجاره وخضرته بما فيه كفاية، ولعل الله ييسر لكم زيارة طلبة العلم بدماج وترون إن شاء الله ما يسركم.
أنا مقبل بن هادي بن مقبل بن قائدة الهمداني الوادعي الخلالي، من قبيلة آل راشد. وشيباتنا يقولون: إن وادعة من بكيل، وأنتم حفظكم الله أعرف بالأنساب مني ومنهم، لآن هذا فنكم الذي لا ينافسكم منافس فيه من المعاصرين.
قبيلة وادعة:
وادعة في بلاد شتي من البلاد اليمنية، وأكبرها فيما أعلم الساكنون بلواء صعدة فهم يسكنون بدماج شرقي صعدة، وبصحوة في أعلي دماج تحت جبل براش. وبالدرب، وآل حجاج، والطلول بين شرقي صعدة وجنوبها. وبشمال صعدة الزور، وآل نائل، وآل رطاس، والرزامات في وادي نشور. وبحاشد غربي الصنعانية ويسمون وادعة حاشد لأنهم يسكنون في بلاد حاشد حتى قال بعضهم::
ياواعة في وسط حاشد * إيش أمنش يا بكيلية
قال: أمنتنا بنادقنا * ضرب الزمر والفرنجية
ووادعة في نجران في أعلي وادي نجران، ووادعة في ظهران الجنوب. وفي عام من الأعوام مر جمع من قبائلنا بمركز (القرارة) شمال مدينة ظهران المركز السعودي، فلما سلموا جوازاتهم للمسئولين هنالك ونادوا بأسمائهم،
قالوا: من كان وادعياً فليكن علي جنب. فتميز قبائلنا علي جنب، وقالوا في أنفسهم: ماذا يريد هؤلاء منا؟! فلما انتهوا بالنداء بالأسماء صافحهم الجنود هنالك، وقالوا: نحن من وادعة ظهران ولابد من ضيافتكم، فوعدهم أصحابنا عند الرجوع من الحج إن شاء الله، وعند رجوعهم مروا بهم فأضافوهم وأكرموهم غاية الإكرام، وكانوا بالأشةاق إلي التعرف علي وادعة صعدة فهي تعتبر الأم.
وقبائل وادعة كغيرهم من القبائل اليمنية التي لم تؤت حقها من التوعية الدينية، وفيهم مجموعة طيبة قدر أربعين شاباً ملازمين للدروس سنذكر بعضهم إن شاء الله في جملة الطلاب.
وأني أحمد الله، فغالب وادعة الذين هم بجوار صعدة يدافع عني وعن الدعوة بعضهم بدافع الدين، وبعضهم بدافع التعصب القبلي، ولولا الله ثم هم لما أبقي لنا أعداء الدعوة خصوصاً شيعة صعدة عيناً ولا أثراً.
وأذكر لهم مواقف أسأل الله أن يثيبهم عليها ويجزيهم خيراً:
منها: مضاربة شديدة في جامع الهادي، بسبب صدي عن الدعوة فيه، قيام معي رجال القبائل من وادعة وغيرهم حتى أنقذني الله علي أيديهم، وكان الشيعة يريدون القضاء علي، وكان ذلك في زمن الرئيس (إبراهيم الحمدي) وأهل الشر من شيوعيين وشيعة رافعون رءوسهم، فسجنونا مع بعض الطرف الآخر قدر أحد عشر يوماً في رمضان فكان يزورني في السجن في بعض الليالي قدر خمسين شاباً، ويدخل إلي المسئولين في بعض الليالي قدر مائه وخمسين رجلاً من وادعة حتى أزعجوا المسئولين، وأخرجونا من السجن، والحمد لله.
ومنها: أن أعداء الدعوة ربما يأتون بالسلاح إلى دماج فيطردهم أهل دماج وهم صاغرون.
ومنها: الرحلات، فإذا قلت: نريد رحلة. تنافسوا حفظهم الله في رفقتي والمحافظة علي فربما نخرج في بعض الرحلات في قدر خمس عشر سيارة.
وفي هذه الأيام الدعوة ماشية علي أحسن ما يرام لأني بحمد الله قد كبرت، ولعلي أبلغ من العمر نحو اثنتين وستين سنة، فالتجارب ونصائح محبي الدعوة تدفعاني علي الرفق وعدم مجاراة الأعداء الذين ليس لهم إلا السباب والشتائم) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين (،) سلم عليكم لا نبتغي الجهلين (.
وأيضاً الشغل بالتعليم والتأليف والدعوة لم يبق لي وقتاً لمجاراة أولئك، فليقولوا ما شاءوا فذنوبي كثيرة عسي أن يخفوا عني ويحملوا من أوزاري، ولله در منقال:
ما سلم الله من بريته * ولا نبي الهدي فكيف أنا
دراستي ومشايخي:
درست في الكتب حتى انتهيت من منهج المكتب، ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب علم، لأنه ما كان هنالك من يرغب أو يساعد علي طلب العلم، وكنت محباً لطلب العلم، وطلبت العلم في (جامع الهادي) فلم أساعد علي طلب العلم، وبعد زمن اعتربت إلي أرض الحرمين ونجد، فكنت أسمع الواعظين ويعجبني وعظهم، فاستنصحت بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة حتى أشتريها؟ فأرشد إلي ” صحيح البخاري ”، و”بلوغ المرام ”، و ” رياض الصالحين ”، و ” فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ”، وأعطانب نسيخات من مقررات التوحيد، وكنت حارساً في عمارة في الحجون بمكة، فعكفت علي تلك الكتب، وكانت تعلق بالذهن لأن العمل في بلدنا علي خلاف ما فيها، خصوصاً ” فتح المجيد ”.
وبعد مدة من الزمن رجعت إلي بلدي أنكر كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب علي الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه فقائل يقول منهم: من بدل دينه فاقتلوه، ولآخر يرسل إلي أقربائي ويقول: إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني (جامع الهادي) من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويدندن بعضهم بقول الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى * فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وبعد ذلك دخلت للدراسة عندهم في جامع الهادي، ومدير الدراسة القاضي (مطهر حنش)، فدرست في ” العقد الثمين ”، وفي ” الثلاثين المسألة وشرحها ” لحابس، ومن الذين درسونا فيها (محمد بن حسن المتميز) وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة وغيره من أئمة أهل السنة، وأنا أكتم عقيدتي، إلا أني ضعفت عن وضع اليد اليمني علي اليسري في الصلاة وأرسلت يدي، ودرسنا في ” متن الأزهار ” إلي النكاح مفهوماً ومنطوقاً، وفي شرح الفرائض كتاب ضخم فوق مستوانا فلم أستفد منه.
فلما رأيت الكتب المدرسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم ” الآجرومية ” و ” قطر الندي ”، ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحيي شويل) أن يدرسني في ” بلوغ المرام ” وبدأنا فيه، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال علي النحو فدرست ” قطر الندي ” مراراً علي (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتي إلي المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في ” القطر ” ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعني أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحو.
حتى قامت الثورة وتركنا البلاد ونزلنا إلي نجرالن ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد) واستفدت منه خصوصاً ف اللغة العربية، ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت علي الرحلة إلي أرض الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرأن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأي من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلي (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالريض، وعزمت علي السفر إلي مكة فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ (يحيي بن عثمان الباكستاني) في ” تفسير أبن كثير ”، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين من علماء اليمن:
أحدهما: القاضي (يحيي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في ” سبل السلام ” للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرازق الشاحذي المحويتي) وكان أيضاً يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله.
وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع مجموعة من طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن محمد بن حميد) رحمه الله في ” التحفة السينة ” بعد العشاء في الحرم، فكان رحمة الله يأتي بفوائد مفيدة من ” شرح ابن عقيل ” وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملص زملائي، فترك رحمه الله الدرس.
ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الاستقرار في المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين، والدراسة في الحرم نفسه.
وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ” وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده “
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلي بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ” إنه طعام طعم وشفاء سقم “. ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب ” تيسير الوحيين في الاقتصار علي القرآن والصحيحين ” وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها، وكان رحمة الله يقول: الصحيح في غير الصحيحين يعد علي الأصابع، فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت علي تأليف ” الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ” فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله.
وكان رحمه الله رجل التوحيد، وله معرفة قوية بعلم الحديث، ومعرفة صحيحة من سقيمه، ومعلومه من سليمة، ويعجبني فيه أنه ينفر عن التقليد حتي إنه ألف رسالة بعنوان ” الطواغيت المقنعة ”، فظن بعض العلماء لمناقشة فقالوا: أنت عنيتنا بهذا وعنيت الحكومة؟ فقال: إن كنتم ترون أنكم ترون أنكم متصفون بالصفات التي ذكرت في الكتاب فهو يشملكم، وإن كنتم ترون أنكم لستم متصفين بالصفات التي ذكرت في الكتاب فهو لا يشملكم. ثم منع الكتاب من الدخول إلي المملكة، أفادني بذلك.
وفي ذات ليلة طلب منه أن يلقي درساً وكأنه لاختباره، فبدأ درسه بقوله تعالي: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) وسرد من الآيات التي تدل علي تحريم التقليد، وبعض أفاضل العلماء عند الكرسي، وبعد ذلك منع من التدريس في الحرم، والله المستعان.
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنه نحو سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، علي أني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلي المدينة إلي الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلي كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند أن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهما: التزود من العلم. الثاني: أن الدروس متقاربة وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة. وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين، وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبرة عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لاختبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان أبرز من درسنا الشيخ (محمد الأمين المصري) رحمة الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الأنصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في ” صحيح مسلم ”، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في ” قطر الندي ” وفي ” التحفة السنية ”، وعند أن كنت بالمدينة كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخزاني في الحرم المدني في ” التحفة السنية ” ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في “جامع الترمذي ”، و ” قطر الندي ”، و ” الباعث الحثيث ” وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و (مقبل بن هادي) وبعض إخوانه في الله هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلي الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
وكان بعض إخواننا في الله طلبة العلم إمام مسجد في الرياض فأنكر عليه بعض أهل العلم السترة، فقال: عجزنا فيكم فو الله لا يقوم إلا عامي يعلمكم أحاديث السترة. فدعا أخاً من محبي الدعوة من العامة وحفظه أحاديث السترة من ” الؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ”، وقام وألقي تلكم الحاديث، وبعدها خجل المعارضون وسكتوا.
وبعد هذا تحرك المقلدة وعلماء السوء، وكان السبب في تحرك المقلدة الذين هم في نظر الناس علماء أنهم إذا التقوا بطالب علم صغير من طلابنا واستدلوا بحديث قال لهم: من أخرجه؟ وهذا شيء ما ألفوه، ثم يقول لهم: ما حال الحديث؟ وهذا أيضاً ما ألفوه، فخجلوهم أمام العامة، وربما قال لهم الطالب: هذا حديث ضعيف في سنده فلان، وضعفه فلان، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأشاعوا أن هؤلاء خوارج، وحاشا الأخوة من الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين ويكفرون بالمعصية.
وكانت تحدث السقطات من بعض الأخوة المبتدئين؛ لأن الغالب علي المبتدئ الحماسة الزائدة – وكنت آنذاك أحضر رسالة الماجستير – فما شعرنا ذات ليلة إلا بالقبض علينا، فقبضوا علي نحو مائة وخمسين وهرب من هرب، وأرتجت الدنيا بين منكر ومؤيد، فبقينا في السجن نحو شهر أو شهر ونصف وبعدها خرجنا الله أبرياء.
ثم بعد هذا خرجت بعض رسائل (جهيمان) فقبض على مجموعة منا، وعند التحقيق قالوا لي: أنت الذي كتبتها، جهيمان لا يستطيع أن يكتب. فنفيت ذلك والله يعلم أني لم أكتبها ولم أشارك فيها، وبعد سجن ثلاثة أشهر أمر بترحيل الغرباء.
ولما وصلت إلي اليمن عدت إلي قريتي ومكثت بها أعلم الأولاد القرآن، فما شعرت إلا بتكالب الدنيا علي، فكأني خرجت لخراب البلاد والدين والحكم، وأنا آنذاك لا أعرف مسئولاً ولا شيخ قبيلة، فأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وإذا ضقت ذهبت إلي صنعاء أو إلي حاشد، أو إلي ذمار، وهكذا إلي تعز، وإب، والحديدة، دعوة وزيارة للإخوان في الله.
وبعد أيام أخرج بعض فاعلي الخير مكتبتي من المدينة، فطلب منه خمسمائة ريال سعودى في مركز (كدم)، وكان المسئول عنه (المشرقي) فأبي، يظنها رشوة، وهو لا يدرى أنها رشوة في حقهم، وأما هو فليست برشوة، لأن الرشوة ما أعطي لإحقاق باطل، أو لإبطال حق.
فأرسلوا بالكتب أصحابنا فقال: إن شاء الله بعد الظهر، وما جاء بعد الظهر إلا وقد حرك الشيعة، فطلبوا من المسئولين توقيفها لأنها كتب وهابية. ولا تسأل عن الغرامة المالية، والمتاعب، والضيم التي حصلت لي. إخوان بذلوا جهوداً في متابعة ذلك، كثير من أهل بلدي، (الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر)، (الشيخ هزاع ضبعان)، المسئولون في مكتب التوجيه والإرشاد منهم القاضي (يحي الفسيل) رحمه الله، الأخ (عائض بن علي مسمار)، وبعد متاعب طويلة أبرق أهل صعدة إلي الرئيس (علي بن عبد الله بن صالح) فأحال القضية إلي القاضي (علي السمان) فأرسل إلي القاضي ووعد أنه سيسلم المكتبة وقال: إن أهل صعدة متشددون، فهم يكفرون علماء صنعاء. فطلبت المكتبة إلي صنعاء، وقدر أن وصلت الكتب والقاضي (علي السمان) في بعثه إلي الخارج، فذهب الإخوة إلي المسئول في وزارة الأوقاف فقال لهم: إنها مصاطرة – بالطاء -. وتحرك بعض إخواننا في الله من مكتب التوجيه والإرشاد وذهبوا واستلموها، وقالوا: هي من اختصاصنا، فنحن ننظرها فما كان صالحاً سلمناه للوادعي، وما كان يخل بالدين أبقيناه عندنا، وبما أنهم يعرفون أنها كتب دينية محضة فقد سلموها لي من غير تفتيش، فجزاهم الله خيراص، فأخذتها إلي البلاد والحمد لله، وقام أقربائي جزاهم الله خيراً ببناء مكتبة صغيرة ومسجد صغير، وقالوا: نصلي فيه جمعه درءاً للفتن والمشاكل، فكنا في بعض الأوقات نصلي قدر سته نفر.
وفي ذات مرة طلبني المحافظ (هادي الحشيشي) فذهب إلي الشيخ (قائد مجلي) رحمه الله فاتصل به وقال: ما تريد من الوادعي؟ فقال: لا شيء إلا مجرد التعرف عليه، فقال: نطلع إليه في معهده. وفي أخري طلبني مسئول آخر فدخل معي إليه (حسين بن قائد مجلي) فتكلم علي الشيعة، وشرح له أننا ندعو إلي الكتاب والسنة، وأن الشيعة حسدونا علي ذلك، ويخافون أن تظهر الحقائق، فقال المسئول: إن الشيعة سودت تاريخ اليمن، وما دامت دعوتك كذلك فادع ونحن معك. وبعد هذا مكثت في مكتبتي، وما هي إلا أيام فإذا الأخوة المصريين وفتحنا دروساً في بعض كتب الحديث وبعض كتب اللغة، وبعد هذا ما زال طلبة العلم يفدون من مصر، ومن الكويت، ومن أرض الحرمين ونجد، ومن عدن، وحضر موت، ومن الجزائر، ولبيبا، والصومال، ومن بلجيكا، ومن كثير من البلاد الإسلامية وغيرها.
وعدد الطلاب الآن ما بين الستمائة إلي السبعمائة، منهم قدر مائة وسبعين عائلة، والله يأتيهم برزقهم من عنده، كل هذا لا بحول منا ولا قوة، ولا بسبب كثرة علمنا، ولا شجاعتنا ولا فصاحتنا في الخطابة، ولكن هذا أمر أراد الله أن يكون، ولله الحمد والمنة الذي وفقنا لذلك.
الدروس التي تلقي:
دروس هي:
(1) “تفسير ابن كثير ” بعد الظهر.
(2) “صحيح البخاري ” بعد العصر.
(3) “صحيح مسلم “، وبعده ” مستدرك الحاكم ” بين مغرب وعشاء.
(4) “الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ” قبل الظهر.
وصلى الله وسلم على محمد وآله
المصدر: موقع علماء اليمن:
http://www.olamayemen.com